ادعمنا

العقوبات الاقتصادية - Economic Sanctions

تنطلق أهمية العقوبات الاقتصادية في المجال الدولي من كونها أداة غير عسكرية يتم اللجوء إليها للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ما أدى لاستخدامها في عدة قضايا دولية شائكة، ذلك وبالرغم من أن ميثاق الأمم المتحدة لم يذكر مصطلح "العقوبات" بشكل صريح مستبدلاً ذلك بمترادفات تشير للمصطلح كالإجراءات في المادة "39" أو التدابير في المواد ""40,41,42.

 

تعريف العقوبات الاقتصادية الدولية

رغم غياب تعريف واضح للعقوبات الاقتصادية الدولية في مواثيق المنظمات الدولية والأنظمة الاقتصادية، إلا أنه يمكن تعريفها بأنها: "مجموعة من التدابير القسرية المطبقة على الدولة المرتكبة لعمل عدواني يُعَد خرقاً للسلم والأمن الدوليين أو تهديداً لهما، مستهدفة لبنيانها الاقتصادي وإصلاح سلوكها في إطار العلاقات الدولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة المادة 41 منه".

ويعرفها آخرون أنها: "وسيلة ضغط إيجابية أو سلبية تهدف إلى الحصول على تغيير في السلوك السياسي الدولي للدولة المعاقبة، هذه العقوبة يمكن أن تتدرج من التهديد البسيط إلى مقاطعة كلية أو شاملة للعلاقات الاقتصادية بين المُعاقِب والمُستَهدف".

 بينما يعرفها الفقيه نايلور Naylor على أنها: "مجموعة من الإجراءات العقابية ذات الطابع الإقتصادي يتخذها طرف دولي ما (منظمة دولية أو دولة) في مواجهة طرف دولي آخر، وتتمثل أهم هذه الإجراءات في الحصار والحظر وهي تُستَخدم عادة بغية تحقيق أهداف سياسية للطرف المُستَخدِم لها تنصب في معظم الأحيان على تغيير التوجهات الأساسية للطرف الخاضع للعقوبات بما يتماشى مع رغبة أو مصلحة الطرف المُستَخدِم لها".

وبالرغم من حداثة مفهوم العقوبات الاقتصادية الدولية، فإن السلوك العقابي الاقتصادي ظهر في عدة مشاهد تاريخية، عندما كانت تلجأ الإمبراطوريات والجيوش لفرض "الحصار" الاقتصادي كوسيلة ضغط أو للتمدد وبسط الهيمنة الخارجية؛ وهو ما بقي حتى العصر الحديث واستُعمِل في عدة حالات، منها ما قامت به عصبة الأمم تجاه إيطاليا في العام 1935 بعد غزوها إثيوبيا. وفي العقود الأربعة الأولى من قيام الأمم المتحدة صدر قرارين فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية في حالتين، هما: روديسيا في العام 1966 و جنوب  إفريقيا عام 1977. وعقب إنتهاء الحرب الباردة تصاعد فرض العقوبات الاقتصادية بشكل ملحوظ منها ما كان على العراق وليبيا والصومال وأنغولا.

 تستند هذه العقوبات على أسس قانونية تضمنها ميثاق الأمم المتحدة، إذ وفقاً للمادة "39" من الباب السابع من الميثاق، أن المجلس سيتخذ التدابير اللازمة حيال أية تهديد للسلم أو إنتهاك له أو الأقدام على عمل من أعمال العدوان، حفاظاً على السلم والأمن الدوليين؛ وقد تكون هذه التدابير ما هو منصوص عليه في المادة "41" من ذات الميثاق التي جاء نصها "أن لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب إتخاذه من التدابير التي لا تتطلب إستخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية، والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبرية والبرقية واللاسلكية، وغيرها من وسائل المواصلات، وقفاً جزئياً أو كلياً، وكذلك قطع العلاقات الدبلوماسية"، ولعل ما إتخذته منظمة الأمم المتحدة عام 1962 عند دعوة أعضاءها لقطع جميع علاقاتهم الاقتصادية مع جنوب إفريقيا رداً على سياسة التمييز العنصري، من أبرز الأمثلة على ذلك. وإلى جانب المادة "41" تأتي المادة "42" التي تعطي إمكانية إستخدام القوة العسكرية إن دعت الضرورة لذلك.

أضف لما سبق المبدأ القانوني الآخر للعقابية من خلال قدرة مجلس الأمن على سن قرارات بهدف معاقبة الدول المارقة أو تلك التي تسمى بالإرهابية، كقرار رقم 1373 الصادر عام 2001. إلا أن هذا الأساس يواجه إشكالين، يتمثل أولها في التداعيات السلبية التي انعكست على شعوب الدول المُعاقَبة جراء تطبيق القرارات المُستَنِدة على هذه القاعدة، بدلاً من الحكومات. أما الاشكال الثاني فيتمثل في عدم وجود تعريف لتهديد السلم والأمن الدوليين، في نظام العقوبات الدولية، ناهيك عن عدم تحديد المعايير المُستنَد إليها في ما إذا كان هذا الطرف أو ذاك عمل على تهديد السلم والأمن الدوليين.

وتنقسم العقوبات الاقتصادية من حيث العمل بها إلى نوعين أحدهما سلبي والآخر إيجابي يحوي كل منها عدة إجراءات: 

الإجراءات السلبية: التي تستهدف الطرف المُعتدي مباشرة من خلال إضعافه عسكرياً ومادياً مع حرمانه من إقامة علاقات طبيعية مع باقي البلدان، تشتد في حالات العدوان العسكري. هذه التدابير التي تهدف لتشديد الخناق على الطرف المُعتدي وإضعاف سلوكه غير الشرعي، تتم من خلال أربعة أساليب:

- المقاطعة الاقتصادية: ويمكن تعريفها أنها الإجراءات الرسمية التي تؤدي إلى قطع العلاقات الاقتصادية بين دولة وأخرى مُعتدية، عندما لا تكون هناك حالة حرب معلنة بينهما. وتتمثل هذه المقاطعة، التي عرفتها العلاقات الدولية من قرون، في عدة إجراءات، منها: وقف كافة العلاقات الاقتصادية التجارية، والمالية، والإستثمارية، والاجتماعية أيضاً كالسفر. وتعتبر المقاطعة الاقتصادية الأسلوب الأمثل للعقوبات الاقتصادية التي تأتي من قبل دولة أو مجموعة دول.

- الحصار الاقتصادي: إذ ساهمت الآراء والنظريات في الحقل القانوني للعلاقات الدولية في ظهور الحصار الاقتصادي السلمي، والذي يعتبر بالأصل عمل حربي تنفذه قوة جوية وبحرية لإضعاف القدرة الاقتصادية للدولة المراد مُعاقبتها. وقد شَرّع هذا الإجراء مجلس الأمن على أن يتم بحراً مدعوماً بالحصار الجوي، وهو ما جرى إقراره من قبل مجلس الأمن ضد ليبيا في 31 مارس 1992.

- الإجراءات الجمركية: التي جاءت نتيجة تطور العلاقات الاقتصادية الدولية وما تتضمنه من تطور في أساليب الإستيراد والتصدير. ومن أنواع هذه العقوبات، الزيادة المستمرة والعالية على الرسوم الجمركية.

- وقف العلاقات الاقتصادية: وهو أشبه بعزل الدولة المُعاقَبة من خلال منع أية روابط إقتصادية معها أو أية إستثمارات على أراضيها، كما تصل لمنع السفر لها ومنها وهو ما ينعكس سلباً على رعايا الدولة المُعاقَبة بالإتجاهين الاقتصادي والنفسي.

الإجراءات الإيجابية والتي تمثل المرحلة التالية للإجراءات السلبية، وتتمثل في منع محاولات إختراق العقوبات المُتَخَذة من خلال مراقبة شاملة للمنظومة الاقتصادية للدولة المُعاقَبة والأطراف الاقتصادية الأخرى، كالشركات متعددة الجنسيات، ومنع تصدير منتجاتها وإتخاذ كل ما يلزم لمنع وصول رؤوس الأموال إليها. وتتم هذه الإجراءات من خلال: 

- نظام القوائم السوداء: التي تتضمن أسماء الأشخاص والشركات ذات العلاقة مع الدولة المُعاقَبة، وبهذه العلاقة يحملون حكم الدولة المتعدية ما يؤدي للتعامل معهم بذات الإجراءات المتبعة مع الدولة المُعاقَبة. كما تأتي هذه القوائم من باب التهديد بالعقوبات تجاه الأطراف المحتملة العلاقة مع الطرف المُعاقَب، سواء كانوا شركات أم أشخاص.

- المشتريات التحويلية: والتي تركز على حرمان الدولة المُعاقَبة من الحصول على الموارد الاقتصادية من خلال شراء المواد الإستراتيجية من الدول المحايدة لتجنب وصولها للطرف المُعاقَب.

 

المصادر والمراجع:

العقوبات الإقتصادية كوسيلة ردع على المستوى الدولي, عميش رشدي, كلية الحقوق والعلوم السياسية (قسم الحقوق), جامعة العربي بن مهيدي, 2016-2017.

العقوبات الإقتصادية كأداة سياسية في العلاقات الدولية "العراق نموذجا", بن طاع الله زهيرة, باحثة دكتوراه تخصص قانون قضائي, كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة جيلالي اليابس, 2019.

العقوبات الإقتصادية...حروب من غير نار,الجزيرة، 14-3-2017.

العقوبات الإقتصادية الدولية في إطار نظام الأمم المتحدة, أمال يوسفي, مجلة القانون الدولي والتنمية, العدد29.

العقوبات الاقتصادية الدولية، بازغ عبدالصمد، دراسات وأبحاث قانونبة، الحوار المتمدن، العدد 4009، 1-4-2013.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia